المفكر اللبناني مصطفى حجازي: طوفان الأقصى قلب المعادلات وغيّر قواعد اللعبة
قال عالم النفس والمفكر اللبناني الدكتور مصطفى حجازي إن من تجليات طوفان الأقصى أنه قلب المعادلات وغيّر قواعد اللعبة وأظهر حق الفلسطيني في الوجود من خلال إنجازات المقاومة المذهلة.
وأضاف أن عملية طوفان الأقصى فتحت أعيننا على مسار تحرير حقيقي للقضية الفلسطينية خاصة وقضية الاستقلال العربي عامة، موضحا أن هذه العملية أذهلت القريب قبل البعيد في قوة التخطيط وتميزها في الثورة وإبداعاتها في التنفيذ لاسترداد الحق في الحياة والوجود و”يظل القهر والهدر عابرين مهما طال الزمن، وتقدم المقاومة في غزة أبلغ الدروس في ذلك”.
وأشار إلى أن الحركات التي تحولت إلى مسارات تفاوضية لا نهاية لها ولا ثمار لها كما حدث للضفة الغربية بعد اتفاقية أوسلو؛ هي من نوع الأوهام بقيام دولة وكيان، حيث لم يتبق من الضفة سوى 20%
وأضاف الدكتور مصطفى حجازي أكاديمي ومفكر لبناني، حاصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة ليون بفرنسا، وعمل أستاذا جامعيا بعدد من الجامعات العربية وخبيرا للعديد من المنظمات اللبنانية والخليجية والأممية
إن الشعوب قد تستعمر أو تقهر من قبل قوى خارجية أو من تسلط استبداد داخلي، لكنها لا تنهزم. يكفي أن تتوفر لها القيادة القديرة على قيادة معركة تحريرها كي تنتفض وتنهض وتفاجئ الكل بثورتها لاسترداد كرامتها وحقها بالكيان والوجود. فمظاهر القهر والهدر الظاهرية لا تحقق مطلقا الاستكانة الذاتية الداخلية.
وأكد أن طاقات الحياة لدى الشعوب وحقها في الوجود تظل كامنة وتغلي في الداخل حتى تتوفر لها القيادة المؤمنة بحقها وتعرف كيف تقود الجماهير في ثورتها، وطوفان الأقصى يشكل مثالا فائق الدلالة على ذلك، إذ أذهل القريب قبل البعيد في قوة التخطيط والتميز في الثورة والإبداع في التنفيذ لاسترداد الحق في الحياة والوجود واحتلال المكانة المستحقة.
لقد أذهلت بطولات المقاومة ليس الغرب وحده وإنما العالم العربي وشعوب العالم الثالث، وليس هناك من سر أو عجب في صمود المقاومة في غزة، بل مجرد تلاقي القيادة القديرة وطاقات الحياة الكامنة التي تفعل ما يذهل وما لا يخطر ببال. حيث أن القراءة الظاهرية لاستكانة الشعوب هي دوماً مخطئة ومضللة.
ورأى أن علماء الاجتماع العرب وسواهم لا يدرسون الشعب الفلسطيني من الداخل وصولا إلى اكتشاف قواه الحية الكامنة، إنهم يلامسون سطح الواقع وينخرطون هم والمثقفون في دراسة الفكر الغربي وقضاياه وأطروحاته وكأنه اليقين العلمي الكوني، مع أن هذا الفكر قد تم تطويره لفهم واقع الإنسان الغربي، وغاب عن بالهم أنهم بحاجة إلى أدوات معرفية ومقاربات خاصة بإنساننا العربي والفلسطيني، وهو ما لم يفعلوه إلى الآن، ويأتي طوفان الأقصى كي يفاجئهم ويكشف لهم ما غفلوا عنه.
وقال أن تعرض نضال التحرير الفلسطيني، شأنه في ذلك شأن نضالات الشعوب المقهورة إلى استعمار خارجي واستبداد داخلي، ولا يزال يتجه إلى حالة حصار وتبخيس واتهامات شتى بالإرهاب وصولا إلى تصوير المشروع الصهيوني بأن له الحق في وجود آمن وخصوصا بسبب سيطرة هذا المشروع على وسائل الإعلام الغربية على اختلافها، ومنع بروز أي صوت لا يذهب مذهبها بمختلف الوسائل.
وتتمثل أحد تجليات طوفان الأقصى في رأي الدكتورمصطفى حجازي في أنه قلب المعادلات وغيّر قواعد اللعبة وأظهر حق الفلسطيني في الوجود من خلال إنجازات المقاومة المذهلة في بعض تجلياتها، ومن الطبيعي أن يتأثر جيل الشباب الغربي بذلك نظرا لتوقه بدوره إلى التمرد على نظام حياة التفاهة والاستهلاك واللاوعي واللاقضية.
لأن طوفان الأقصى أثار في نفوس جيل الشباب الغربي الشوق إلى الحياة ذات المعنى، والبحث عبر قضية كبرى تملأ عليه حياته، ومن هنا جاءت مظاهراته تأييدا للحق في الحياة والوجود للشعب الفلسطيني.
وقال أنه من المفارقات الغير علمية أن يعتبر الغرب والعرق الأبيض تحديدا أنه الأرقى وأن عليه تمدين الشعوب المتخلفة. وأن يدعى هذا الحق لذاته لأنه كان يعتبر هذه الشعوب دون البشر تبريرا لاستغلالها تحت زعم تمدينها. ليس هنالك من تناقض بل إننا إزاء مجرد محض عنصرية متفوقة على من هم لم يبلغوا مستوى البشر بعد، ومن خلال هذه العنصرية يعطي الغرب ذاته حق استعمار الشعوب واستغلالها بزعم تمدينها وبزعم أن استغلاله لها هو ضمن واجبه لترقيتها.
ولفت إلى أن اغتصاب فلسطين من قبل الحركة الصهيونية يقوم فعلا على أيديولوجية عنصرية تدعمها مزاعم أسطورية في أرض الميعاد، وتعتبر الفلسطينيين كائنات غير بشرية يجب تطهير أرض فلسطين منها، ولذلك يبيح الاستيطان الصهيوني لنفسه كل المجازر التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، وحتى الضفة الغربية يعتبرها أرض ميعاد، ولذلك يغرس فيها بؤرا استيطانية هي في الحقيقة بؤر سرطانية تلتهم أرض الضفة الغربية.
أما المقاومة الفلسطينية فهي حركة تحرير ككل حركات التحرير في العالم، تقوم على الحق في الأرض وفي وطن، وليس من الضروري أن تقوم على أيديولوجية من أي نوع كانت سوى الإيمان الراسخ بالوجود والهوية والأرض.
نعم فتح طوفان الأقصى أعيننا على مسار تحرير حقيقي للقضية الفلسطينية ولقضية الاستقلال العربي عامة، أما الحركات التي تحولت إلى مسارات تفاوضية لا نهاية لها ولا ثمار لها كما حدث للضفة الغربية بعد اتفاقية أوسلو فهي من نوع الأوهام بقيام دولة وكيان، والدليل على ذلك تحول المسار التفاوضي إلى مسار تنازلي عن الأرض والكيان، حيث لم يتبق من الضفة سوى 20% مع المفاوضين المتسابقين إلى عقد اتفاقيات سلام والاكتفاء بدولة ورئاسة شكلية، وحتى هذه لم تتخل عنها الحركة الصهيونية أو تقبل بها، إذ هي تمارس عملية القضم والهدم بحيث لن يتبقى من الدولة الفلسطينية سوى الاسم. الأوطان تنتزع وتبنى بنضال تحريري وطني حقيقي، وليس بالتفاوض من موقع الضعف، ذلك هو الدرس الذي تعلمناه إياه حركات التحرير الفعلية.