التّحليل الشّائع منذ زرع الكيان الصهيوني بأرض فلسطين والذي خلاصته أنّ هذا الكيان قاعدة غربية استعمارية متقدّمة ضامنة لمصالح الغربيين ما عاد يستقيم. لو كان يستقيم لرأينا الغرب يتخفّف من اسرائيل ولا يذهب الى الحدّ الذي نشهده اليوم في دعمها وإسنادها والتغطية على جرائمها المتوحشة. هو مستعدّ لأبعد مما نرى ونشهد اليوم. مستعدّ للذهاب الى النّهاية بل الى اللّانهاية. صرت أفهم الآن أكثر لماذا سادت هذه المقاربة للعلاقة بين الغرب والصهيونيّة ولماذا غلبت هذه القراءة وهذا التحليل. أصلا يستفيد الغرب كما تستفيد اسرائيل من هذا الفهم. اذا لم يفهم الخصم وهو نحن طبيعة العلاقة يعجز عن وضع السّياسات والخطط الفعّالة. هناك فكرة غلبت أيضا على نخب التفكير عربيا وإسلاميّا. هي فكرة وهو منهج: وحدها الموضوعيّات المادّية بين مصالح وتجارة وطاقة تفسّر أمر العالم أو هكذا نحسب. نحسب أيضا أنّ الإعتبارات الدينية والثقافية العميقة من القديم البدائي الذي لا يفسّر لا اسرائيل ولا الغرب ومن الأحرى أيضا أنّه لا يفسّرنا وعليه لا نعتمده واذا اعتمدناه كنّا مغفّلين. نحن المغفّلون اذا انطلى علينا هذا الدّجل ونحن مغفّلون أكثر عندما نصدّق بأنّ العالم تعلمن تماما وأنّ الدين اذا حضر فيه فبين ذكرى وفلكلور. العالم المُعلمن هذا ظاهر فقط. باطنا، النخب الممسكة والمتحكّمة والموجّهة بين متديّنة وبين أنّ متديّنين يوجّهونها برضاها أو رغما عنها. هذا شغل متين المكر قديم. خطوطه العريضة بدأت بجلاء منذ القرن السابع عشر مباشرة بعد الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا بين البروتستانت والكاثوليك. هناك صهيونية مسيحيّة بدأت في التغلغل وبنت حلفا مقدّسا مع صهاينة اليهود. البروتستانتية حركة مسيحية بباطن يهودي تقول بحتمية قيام دولة يهودية هي شرط عودة المسيح والبروتستانتية قياسية التجذّر في الجغرافيا الأنجلوسكسونية وهي حريصة على تثبيت يهودية الكيان أكثر من اليهود أنفسهم. السؤال: من يقف وراء البروتستانتية خصوصا في تفصيل اعتمادها التوراة نصّا مقدّسا تماما كاعتماد الإنجيل؟ المنطق يقول أنّ اختراقا يهوديّا حصل كما صار اختراق للإسلام. الديانة الإبراهيمية المبشّر بها لا تختلف جوهرا عما أنجز داخل المسيحية. الإبراهيمية بروتستانتية المسلمين. اذا كان نجاح في اختراق أديان وتفكيك مفاهيمها والعبث بمصطلحاتها هل يصعب اختراق منظومات الأفكار الذي نتقلّب فيها منذ قرون؟ لماذا كانت الحداثة كما كانت ولماذا الأنوار كما كانت؟ أم هل نصدّق أنّ حركة العقل الغربي الذي صار عقلا معولما كانت حركة تلقائية لا علاقة لها بمصالح وحسابات وكواليس؟ هل الأعلام الذين حضروا مرجعيّات تحيط بهم هالات العبقرية والإبداع خطّوا كلّهم طريقهم الى المجد والشهرة بإمكانياتهم الخاصّة. ألم يحتضنهم هذا وذاك واعتمدوا للتقدّم على طريق احداث تحوّلات فكرية محسوبة؟ ماذا كانت دور النشر خلال القرون الماضية؟ هل نقول اليوم أنّ قنوات التلفزة موجّهة ونقول عن دور النشر بين القرن السابع عشر والثامن عشر أنها كانت بريئة خادمة للعلم والمعرفة ساعية في خير الإنسان؟ هذه مسائل تحتاج تحقيقا وتدفيقا. في كلّ الأحوال ظاهرة الصهيونية بدأت قبل اسرائيل بقرون وقاعدتها دينية عقديّة وتتواصل كذلك. أمّا عن المسلمين فتصنيفهم الجيوستراتيجي أنّهم مسلمون لا غير. اذا ارتادوا الحانات فهم مسلمون واذا لزموا المساجد فهم مسلمون وحتّى اذا تحوّلوا جندريّا فهم مسلمون. من سمّى نفسه منهم اسلاميا فهو مسلم ومن استنكف نسبته الى الإسلام وعرّف نفسه حداثيا علمانيا ماركسيا بل حتّى عندما يُشهد كلّ الخلق على الحاده فهو مسلم. هذا بالحساب الجيوستراتيجي. بالحساب الصهيويهودي البارع في الجيوستراتيجي وغيره، هذا المسلم من الأمّيين وتحديدا من ذرّية اسماعيل ابن هاجر الخادمة وحكم الأمّيين معلوم: ليس على المُختارين في الأميين سبيل. اذا قبلوا بالإستعباد فجيّد والّا فهم قرابين وذبحهم كرامة. أقول هنا كلاما لا يسرّني قوله ولكن سيقال من هذا الكلام الكثير لأنّنا سنفهم وسيبطُل سحر كثيف. طبعا نحن كعرب ومسلمين في وضع يعاني منه جمهور غربي واسع هو غارق منذ فترة طويلة في السّحر، مطوّق بالدجل. جمهور محكوم بالمال في حركاته وسكناته ومعلوم من المتحكّم في المال وهو اذا أراد معرفة قصفه اعلام دجّال يملكه من يملك المال. الصهيونية غدّة سرطانية، هذا أبلغ ما قيل فيها ولا يقف السرطان عند حدود فلسطين. أمريكا شيطان أكبر، هذا أيضا قول بليغ متين. ذلك أنّ مركز التحكم الصهيويهودي أمريكي بعد أن كان بريطانيا. المركز لن يترك اسرائيل تسقط ولو لعنها كلّ العالم فهذا المركز يتحضّر منذ فترة لحكم العالم عبر قدس قام فيها الهيكل القديم تماما كما يرد في النصوص القديمة. وعليه فحوار الأديان وحوار الحضارات والإيراهيمية السمحة وحقوق الإنسان والقيم الكونية وهي شعارات جميلة تجذبني شخصيا عقلا وقلبا، كلّ هذا تنويم، عسل في باطنه سمّ. أوّل ما يسعى فيه المسلّح بالعقيدة هو تجريدك من كلّ عقيدة وجعلك في مهبّ الرّيح. بماذا نُظهر اليوم بعض الصمود ومن أين يأتي الصّابرون بصبرهم. من لا يرى أننا نأتي بذلك من العقيدة بعينه رمد أو هو مريض نفس مكابر.