قاسم سُليماني شهيد القدس وجُندِي الإسلام العظيم
الباطل الصهيو-أميركي الذي أراد أن يغيّب سليماني عن دوره في فلسطين خاب وخسر في أوهامه، لأنَّ الشهيد نهج مقاوم حاضر في فلسطين، وفي كل مكانٍ تحدث فيه مواجهة بين الثوار والطغاة.
وليد القططي
قُدِّرت لي فرصة لقاء الشهيد قاسم سليماني وثلة من المجاهدين الفلسطينيين في لقاءٍ خاص مُطوّل استمر ما يقارب 6 ساعات، واتسمَ بالدفء والعمق. وما لفت أنظارنا بعض الجمل التي رددها كثيراً أمامنا، مثل: “نحن في خدمتكم”، “نحن جنود في معركة تحرير فلسطين”، “كل إمكانياتنا تحت تصرفكم”، “نحن مع فلسطين وقضيتها وشعبها ومجاهديها”… وغيرها من الجمل التي توحي بالتواضع والبساطة، وتدل على إدراك أهمية فلسطين.
إنها كلماتٌ صدّقها العمل بإشرافه المباشر على نقل المال والسلاح والخبرات إلى المقاومة الفلسطينية، وصدّقتها شهادة الحلفاء من قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً الجهاد وحماس، وصدّقتها شهادة قادة العدو في الكيان الصهيوني والاستعمار الأميركي، وهو قول وعمل منسجمان مع رسائل الشهيد لقادة المقاومة الفلسطينية أثناء أو بعد كل معركةٍ مع الاحتلال الصهيوني.
إحدى هذه الرسائل ورد فيها: “طَمئنوا الجميع إلى أنَّ إيران الإسلامية لم تترك فلسطين وحيدة، مهما تعاظمت عليها الضغوط واستحكم بها الحصار… الدفاع عن فلسطين هو المصداق الحقيقي للدفاع عن الإسلام والقرآن… إنْ شاء الله، سيكون فجر النصر قريباً بعونه تعالى… وأجراس موت الصهاينة ستُقرع”.
كلمات الشهيد سليماني لنا ورسائله وأعماله ليست غريبةً على رجلٍ نشأ في رحابِ ثورةٍ وجمهوريةٍ قائدها ومرشدها الأول الإمام الثائر آية الله الخميني (رحمه الله) أفتى بتحريم التعامل مع الكيان الصهيوني ووجوب دعم المجاهدين الفلسطينيين بالمال والسلاح والخبرات، واتخذ من تحالف النظام الملكي البائد مع الكيان الصهيوني مدخلاً لنزع شرعيته، وسعى لأن تكون فلسطين قضية المسلمين الأولى.
كذلك، رفع شعار “اليوم إيران وغداً فلسطين”، وحوّل سفارة “إسرائيل” إلى سفارة لفلسطين، وأبدع يوم القدس العالمي تذكيراً للمسلمين بواجب تحرير القدس، وجعل هدف إزالة “إسرائيل” من الوجود واجباً شرعياً على كل الأمة، وأدخل فلسطين في صلب مشروعية الثورة والجمهورية، وجعلها مُحدِداً أساسياً لسياسة إيران الخارجية وأمنها القومي… وسار على الدرب نفسه مرشد الجمهورية الثاني السيد علي خامنئي.
هذه السياسة الثابتة لإيران الثورة والجمهورية كانت السبب الذي أغاظ أميركا، فأنزلت سخطها وعقوباتها على إيران وكل أحرار الأمة، وسفكت دم الشهيد قاسم سليماني وإخوانه المجاهدين، فأصبح دمه فاصلاً بين نهجين؛ نهج يضبط ساعته بتوقيت القدس وفلسطين، ويوجه بوصلته نحو القدس وفلسطين، ونهج يضبط ساعته بتوقيت أورشليم وواشنطن، ويوجه بوصلته في كل الاتجاهات ما عدا القدس وفلسطين، فشتان بين نهجٍ تعز فيه الأمة وتعيش حياة الحرية والعزة والكرامة، ونهجٍ تُذل به الأمة وتعيش حياة العبودية والذلة والمهانة!
بعد 3 سنوات من استشهاد سليماني، وفي حضرة الغياب القسري للشهيد، لا بدَّ من التأكيد على حقيقة أنَّ حضور فلسطين في قلب إيران الثورة والجمهورية هو سبب غياب الفريق الشهيد قاسم سليماني بجريمة الاغتيال الصهيو-أميركية، باعتباره رمزاً لحضور فلسطين في قلب إيران ورأس حربة رمتها إيران في صدر الكيان الصهيوني والاستعمار الأميركي.
وقد جاء اغتياله بسبب مكانته كقائد لـ”قوة القدس” في حرس الثورة الإيراني، وبسبب دوره المُكلّف به من قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران بمحاربة الاستعمار الأميركي ودعم المقاومة وتقويتها ضد الكيان الصهيوني بالمال والسلاح والخبرات، وبسبب دوره في ترجمة هذا التكليف فعلاً مقاوماً يؤذي الكيان الصهيوني ويهدد أمن مركز المشروع الغربي الاستعماري بزعامة أميركا ضد الأمة العربية والإسلامية.
الباطل الصهيو-أميركي الذي أراد أن يغيّب سليماني عن دوره في فلسطين خاب وخسر في حساباته وأوهامه، لأنَّ سليماني نهج مقاوم حاضر في فلسطين، وفي كل مكانٍ تحدث فيه مواجهة بين الثوار والطغاة، وفي كل زمانٍ يحدث فيه صراع بين الحق والباطل، وفي كل أرض ينتفض فيها المستضعفون ضد المستكبرين، وفي كل بلدٍ يتمرد فيه المظلومون على الظالمين. هذا الحضور جعل سليماني شاهداً حياً قبل اغتياله، وشهيداً حياً بعد اغتياله. وفي كلا الحالتين، هو مقاوم بمكانته ودوره، ثم مقاوم بروحه ونهجه.
لذلك، أطلقت عليه المقاومة الفلسطينية لقب “شهيد القدس” تكريماً لدوره، ومن خلفه الجمهورية الإسلامية في إيران، في دعم الجهاد والمقاومة في فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني. هذا الموقف الذي اتخذته المقاومة الفلسطينية ينسحب على كل الأمة العربية والإسلامية كعمق لفلسطين الشعب والمقاومة.
إن شعوب الأمة هي أقرب ما يكون إلى فلسطين، وأبعد ما يكون إلى الكيان الصهيوني. أمّا حكامها، فبقدر اقترابهم إلى فلسطين القضية والشعب والمقاومة، يكون الاقتراب إليهم. وفي المقابل، بقدر اقترابهم إلى الكيان الصهيوني اعترافاً وتطبيعاً وتحالفاً، يكون الابتعاد عنهم.
أمّا الراقصون سُكراً على صخب موسيقى الموت الصهيو-أميركية، فعليهم تقديم قرابين الولاء من أموالهم وحريتهم وكرامتهم للاستعمار الصهيو-أميركي، ولهم العار والصغار في الحياة الدنيا، والنار والشنار في الحياة الآخرة.